کد مطلب:323848 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:252

هل فی التعدد ظلم للنساء
و قد یقول قائل: ان فی التعدد ظلما للنساء، و نقول مع الامام أبی زهرة كذلك: انه اذا كان ضارا بالتی یتزوج علیها، فان منفعته مؤكدة للزوجة الجدیدة، لأنه لا یقبل الزواج من متزوج الا امرأة مضطرة للقبول، و الضرر الذی یلحقها بالترك اكثر من الضرر الذی یلحق الزوجة الاولی بادخال أخری علیها، و الضرر الكثیر یدفع بالضرار القلیل، كما هو حكم الشرع و حكم العقل [1] .

و قد وجدت منذ سنة 1926 «أی بعد المؤتمر النسائی» فكرة تقیید تعدد الزوجات بأن یكون باذن القاضی. و القاضی لا یأذن الا اذا تحقق من العدالة و القدرة علی الانفاق علی زوجتیه و علی من تجب علیه نفعته، و قد أخذت بذلك تونس فی تشریعها الأخیر، و اخذت به سوریا علی سبیل الجواز بالنسبة للقاضی، أی أنه یجوز له ألا یأذن بالتعدد لا أنه یجب علیه ألا یأذن، كما جاء فی قانون الأحوال الشخصیة [2] .

و ما زالت دعوات نسائیة و غیر نسائیة تنادی به؛ و نحن نری مع الامام أبی زهرة أنه لا یصح أن یكون هذا التشریع لما یأتی: [3] .

اولا: ان التعدد یقل من تلقاء نفسه فقد نزلت نسبته الی أقل من 4 % من وقائع الزواج، و لا یصح الالتجاء الی سن قانون لنسبة ضئیلة الی هذا الحد و لو أنه
سن مثل هذا القانون لكان من یرید أن یتزوج علی زوجة یفر من توثیق العقد الی عقد عرض، و فی الغالب تزید النسبة، لأن العقد الصرفی لا یجعل الرجل مسئولا أمام المحكمة، لأنه لا یمكن أن ترفع به دعوی، فیقدم علی الزواج من لم یكن بقدم، و تعدد المشاكل القضائیة، و المرأة هی الفریسة فی هذه الاحوال. (و ما قانون الأحوال الشخصیة منا ببعید).

ثانیا: ان هذا النوع من التقیید بدعة دینیة اجتماعیة لم تقع فی عصر النبی صلی الله علیه و سلم و لا فی عصر الصحابة و لا فی عصر التابعین، و من التهجم علی الحقائق الدینیة أن نبتدع أمرا لم یحدث فی عهد من عهود الاسلام.

ثالثا: أنه لوحظ فی هذا العصر أحجام الشبان عن الزواج، حتی انه لا یتزوج من الشبان الصالحین للزواج عدد یتجاوز الستین فی المائة منهم، و لا شك انه یقابل هؤلاء مثل هذه النسبة من النساء الصالحات للزواج، فأین تذهب هؤلاء النسوة المقضی علیهن بعدم الزواج، أم تفتح لهن أبواب الشیطان، لا شك أن الأولی أن یفتح الباب الحلال لهن.

رابعا: «لهذا نری أن تقیید التعدد ضار بالمرأة، و یتبین ذلك من یدرس الأمور دراسة فاحص خبیر، لا دراسة من یأخذ بظواهر الأمور، و تستولی علی نفسه أحوال جزئیة لبعض النساء، و لا ینظر الی المصلحة الحقیقیة لكل النساء» [4] .

و هناك حیطة تعدل سلطان التشریع كله فی أمر تعدد الزوجات - علی حد تعبیر الأستاذ العقاد - «لأنها تكل القول الفصل فیه الی اختیار المرأة فان شاءت قبلته و ان لم تشأ رفضته فلا یجوز اكراهها علیه و لا یصح الزواج اذا بنی علی الاكراه. و فی الحدیث الشریف: «لا تنكح الأیم حتی تستأمر و لا البكر حتی تستأذن».
و فیه: «ان الشیب أحق بنفسها من ولیها و البكر تستأمر و أذنها سكوتها». فالاسلام عمل علی حمایة الزوجیة من الفرقة؟ و من التدمیر البهائی أو الصهیونی؛ و ذلك بما اشتمل علیه الاسلام من وصایا فیها: [5] .

1 - انه أوصی باختیار الزوج و اختیار الزوجة، علی اعتبار أن اختیار العشیر أعظم الأمور خطرا فی حیاة الرجل و المرأة، فان هذا العقد هو عقد الحیاة، و من و فقه الله تعالی فیه كان له حظ الدنیا و الآخرة، و من لم یوفقه فیه نال الشقاء الی أن یرحمه الله، و لذلك كان لابد من العنایة باختیار العشیر، و الخضوع فی اختیاره لحكم العقل، لا لحكم الهوی، و ان الارواح جنود مجندة ما تعارف منها ائتلف، و ما تناكر منها اختلف، الرجل و المرأة، كنصفی الدائرة، كل نصف یسبح فی هذا الوجود، حتی یلتقی بتوفیق الله بالنصف الذی یلائمه و یتحد قطراهما، فیتكون منهما دائرة كاملة، و تلك هی دائرة الأسرة التی تكون دعامتها الحیاة الزوجیة.

و انه فی سبیل اختیار الزوج الأمثل الذی ترجی معه عشرة صالحة یقطعان بها هذه الحیاة الدنیا فی هدوء و اطمئنان و ارضاء الله تعالی قدس الاسلام نظما محكمة تمنع الشطط فی الاختیار، و تمنع أن یكون الاختیار لأسباب وقتیة سریعة الزوال، و مع زوالها یكون انحلال الحیاة الزوجیة.

ذك أن البواعث الحسیة سریعة الزول، علی حد تعبیر الامام أبو زهرة، فمن تختار زوجا لجماله الجسمی من غیر ملاحظة الجانب المعنوی من حسن الطباع، و قوة الأخلاق تكون حیاتها الزوجیة عرضة للاضطراب، و وراء الاضطراب انحلال الحیاة الزوجیة، و كذلك من یختار زوجته ملاحظا فیها الجانب الحی من غیر ملاحظة الجانب المعنوی، یجعل الحیاة الزوجیة عرضة للزوال، و ذلك لأن
الاعجاب الحسی قد ینتهی. أما النواحی المعنویة، فان الاعجاب بها یتجدد بتجدد الزمان، و لذلك حث النبی صلی الله علیه و سلم علی اختیار المرأة الصالحة فی الزواج فقال علیه السلام: «ألا أخبركم بخیر ما یكثر المرء؟ المرأة الصالحة، اذا نظر الیها سرته، و اذا غاب عنها حفظته و اذا أمرها أطاعته».

و حث علی الزواج من ذات الدین، فقال صلی الله علیه و سلم: «تنكح المرأة لمالها و لجماها و لحسبها و لدینها، فاظفر بذات الدین، تربت یداك».

و لقد ورد عن النبی صلی الله علیه و سلم أنه قال: «لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسی حسنهن أن یردیهن، و لا تزوجوهن لأموالهن، فعسی أموالهن أن تطغیهن، و لكن تزوجوهن علی الدین، و لأمة سوداء ذات دین أفضل».

و لقد نهی النبی صلی الله علیه و سلم عن الزواج من المرأة الجمیلة التی نبتت فی منبت سوء. فقال علیه السلام: «ایاكم و خضراء الدمن».


[1] الامام ابوزهرة: السابق، ص 76.

[2] نفسه، ص 76.

[3] نفسه، ص 77.

[4] الامام أبوزهرة، ص 77.

[5] الامام محمد ابوزهرة: السابق، ص 86 و ما بعدها.